تكرسيفت

0 التعليقات




تكرسيفت
======
مع الفجر وقبل كل طير حملت أشرف رسالة لم يكن قد حملها قبلي حمام زاجل،أبيت إلا أن أدخل في معركة غير محسوبة العواقب مع هذه الرقعة البيضاء، فجررت قلمي وأنا أعبر به تكرسيفت ،حجرا حجرا..زقاقا زقاقا ..كمن يتفحص جسد امرأة عابرة لم تعد له..بعدما كانت.. ويتخيل لياليها الماضية!
ذهابا وإيابا بقلمي... أعبرها أتشمم عبقها ...ألتحف ترابها ...ألتم أطلالها... أعانق نخيلها وأزرع عشقي أنثره على مساحاتها الواسعة من "قابو" إلى "تينفو" وما بين الجبل والوادي... وآرق... وأعرق حد الاجتفاف.
علقت بي كما لوكانت قميصي بعد ساعة من الغواية الحمقاء التي لا تعترف بالزمان أو المنطق...وبعد الارتواء لفظني خلف الوادي ... واد درعى الطويل الطويل الجافّ الجافي.. حبات رماله لم تترك وجه رجل صحراوي إلا اعتلته
وجدتني ملقا في الضفة الأخرى على كثبان رمال "بونو".
كانت زوبة ألقتني وكست واكتست بغيري وبردائي ومعطفي الأحمر ...
ألفيتني مضطرا للرحيل وسط الأعاصير والدمار،
أشجار النخيل بين الوادين حطب يحرقني ولا ظلال.. لا ظلال!
زوبعة بعد زوبعة ولا أمان...فما كانت أرفود لتظللني... وما كانت لتدفئني ..
امتدت الشجرة باسقة فشذبها المريدون..
حسن إدريسي

المرأة في الريف.. أكثر من نصف قرن من المعاناة

0 التعليقات


             ذ.حسن إدريسي


     على الرغم من التقدم الذي عرفه المجتمع المغربي  بشكل عام على مستوى الحقوق والحريات خصوصا ما تعلق منها بحقوق المرأة وإحقاق مبدأ المساواة ( استعملت لفظ المساواة بكثير من التحفظ لأنني أفضل مكانها لفظ العدل) في الآونة الأخيرة. فبعض المناطق في الريف المغربي تبقى بعيدة كل البعد عما تحقق في مناطق أخرى في هذا المجال لأسباب اجتماعية وثقافية في الغالب.

     فالمجتمع الريفي يعد أبيسيا ولا دور للمرأة فيه خارج حدود البيت وأشغاله إلا في حالات نادرة حتى إن تلميذا أجاب أستاذه داخل الفصل عندما سأله  عن دور المرأة أنها "لا تصلح إلا للبيت والزواج " بدعوى كون المجتمع الريفي محافظ، وأن القضية تتعلق بثقافة الأجداد. وهو ما يكشف عن التأثير القوي للتراكمات الثقافية على ذهن النشء، إذ من المفترض أن يكون هذا التلميذ وهو في سن الثامنة عشرة في قمة التحرر والانعثاق.

     عموما  فالمرأة هنا عنصر غريب محظور ظهوره في الشارع العام،  وتحرم عليه رؤية الشمس  أو الخروج في نزهة أو حتى زيارة الطبيب اللهم في الحالات المستعصية وبعيدا عن مستوصف البلدة. أما بخصوص فريضة طلب العلم  ومواصلة الدراسة الجامعية فالمرأة تستثنى من هذا الحق بدعوى أنه لا ينتظر منها أن تصير طبيبة ولا أستاذة ولا... ويتوقف مشوارها سلفا عند  حدود المرحلة الإعدادية أو الثانوية في أحسن الحالات إلا من كانت محظوظة  و جاد عليها الرحمان بمعجزة من السماء. ومع ذلك فهي لا تسلم من الألسن والأعين،  والتهمة دائما "أنتي أنثى" والمجتمع فاسد. ولا يطرح السؤال: من أفسده؟

      في الريف مازالت المرأة تذكر مردفة بكلمة "حاشاك" والقائل رجل بطبيعة الحال ! إنه القائل والحاكم و السجان و الجلاد في نفس الوقت.

     فبمجرد ظهور أنثى في الشارع إذا حصل !  تلازمها عيون الرجل ولا تكاد تفارقها؛ الجالس في المقهى يترك كرسيه ويقف ليشاهد المخلوق الغريب الذي يسمى "المرأة" أما سائق السيارة فيترك المقود لحاله ويلاحق حواء في طريقها،  وصاحب الدراجة ضال عن الطريق والراجل يضرب رجله اليمنى في اليسرى. ولا يشفع لها في ذلك وجود زوجها إلا جانبها. و منهم من  لاحق امرأة في سن أمه.

    المرأة في حواضر الريف لا ذوق لها ولا رأي، ولا يحق لها الاختيار ولو في الأكل واللباس إلا وفق ما يرتضيه الرجل ويجلبه. وضع لا ترضاه لنفسها لكنه مفروض عليها قسرا، فتنتفض وتقول: "لا ألبس إلا ما يشتريه أبي ولا حرية لي في الاختيار"

     صحيح أن الإنسان يعيش في مجتمع فيتأثر به ويؤثر فيه، لكن لا ينبغي   لوضع كرسه الاستعمار وسنوات الرصاص أن يلازمنا بعد أن مضى على استقلالنا أكثر من نصف قرن، والمسؤولية ملقاة على شبابنا باعتبارهم جيل المستقبل الذي يعول عليه في  تحرير الرجل من العقلية الذكورية التي تختزل المرأة في الجسد والشرف  فتحكم على الأم والأخت... بالسجن وتقتل فيها إنسانيتها ودورها التوعوي كعماد للمجتمع فالطائر لا يحلق بجناح واحد ولا حتى بجناح سليم وآخر معطوب.
 
 

أي مستقبل للشغّيلة والعمل النقابي بالمغرب في ظل التشتت؟

0 التعليقات



حسن إدريسي

     تعد النقابة في أبسط تعريفاتها إطارا يدافع عن الحقوق المادية والمعنوية لشريحة معينة داخل المجتمع. تجمع بينها في الغالب نفس الظروف الاجتماعية مما يجعل مصالحها مشتركة أو متقاربة و يدفعها إلى التضامن الجماعي دفاعا عن حقوقها المادية والمعنوية بدون طمع أو شروط. وعليه فالعمل النقابي يعد ضرورة ملحة لضمان كرامة الشريحة المستهدفة. وبتحديد أدق إنها بمثابة جمعية تشكل للتفاوض بشأن مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية. وللضغط على الهيئات المسؤولة - وهو ما لا يمنع من التجائها للعمل السياسي أحيانا- وقد تزامن ظهور النقابات مع تطور الحركات الاشتراكية التي اهتمت بظروف العامل ودافعت عن حقوقه في وجه التسلط والاستغلال. وتعد بريطانيا أول من اعترف بالنقابات العمالية .
هنا تستوقفنا الحالة التي صار عليها الجسم النقابي بالمغرب لنتساءل عن مدى قيامه بالأدوار المنوطة به وعن رضا الطبقة العاملة بخدمات نقاباتها وزعمائها؟
     أول ما يلحظه المتأمل في واقع العمل النقابي في المغرب هو ذلك التشتت والانشقاق الذي تعيشه النقابات الناتج أساسا عن تغليب الصراع السياسي والحزبي عن حماية الحقوق المشروعة للعمال، بل والتكالب عليهم أحيانا وتجاهل مآسيهم انسجاما مع تناوب اليمين واليسار على الحكومة. وكأني بالنقابة ملحقة للحزب أو شبيبة له، تخدم مصالحه وتوفر له طبقة جماهرية مناصرة لبرنامجه الانتخابي.
ويتأكد ذلك من خلال الموقف المتخاذل للنقابات من الحملة الغير بريئة التي تقودها الحكومة ضد الأجراء بشكل عام وقطاع التعليم على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة. مما سهل تمرير مجموعة من القرارات كالتضييق على حق الإضراب عن طريق الاقتطاع من الأجور.
     كلها عوامل وأخرى أفقدت النقابات مصداقيتها وجعلتها محط الشك وعدم الثقة عند العمال، وهو ما يبرر عزوف شريحة مهمة عن الانخراط النقابي، وظهور التنسيقيات كتجاوز صريح للنقابات وإن كانت هي الأخرى لا تخل من مشاكل.
وتزداد الوضعية تعقيدا عندما نرى المأجورين أنفسهم يعيشون هذا التشتت رغم انتمائهم لطبقة واحدة ذات مصالح مشتركة. وهو ما يسعد المسؤولين الذين لا يرغبون في طبقة عمالية قوية. وهكذا برزت المقاطعات الاجتماعية و الخصومات بين العمال والمهنيين -الإخوة/الأعداء- لا لشيء إلا لانتمائهم لنقابتين مختلفتين أو نقابات مختلفة " مخالفك في النقابة عودك".
     صحيح أن البرامج والظرفيات التي تؤطر العمل النقابي ببلادنا مختلفة. لكن لا ينبغي أن يُسمح لتلك الاختلافات بأن تعصف بحقوق العمال وأحلامهم. نحن لا نطالب بخط نقابي أحادي يجمع كل النقابات لأنه شبه مستحيل -على الأقل حاليا- ولكن بأرضية تنصهر فيها الخلافات وتضمن تكتل المركزيات النقابية في إطار اتحاد خماسي أو... يضمن حل الملفات المطلبية المشروعة العالقة بعيدا عن القرارات التعسفية التي تتغيى كبح صوت الشغيلة المغربية وإخضاعها لشروطها الغير العادلة. فمتى يتحقق نداء الشاعر حيث قال: "إن العود محمي بحزمته ضعيف حين ينفرد".

المجد للأستاذ (ة)...!

0 التعليقات



     حســــــن إدريســـــي

     أرى أن الوزارة تبرر عجزها في إصلاح المنظومة التعليمية بخلق صراع مزيف بين المعلم والمتعلم عن طريق تشجيعها للتصرفات اللامسؤولة لبعض المنحرفين الذين لا رغبة لهم في التعلم عن طريق إسراعها في فتح تحقيقات كلما تمت الإشارة إلى الأستاذ بإصبع الاتهام.  وفي مقابل ذلك يتعرض آلاف الأساتذة يوميا للمضايقات والإهانات من طرف متعلميهم وأولياء أمورهم بل ومن بعض المسؤولين أحيانا ولا تحرك الوزارة ساكنة.
     إنها مع سبق الإصرار و ترصد الهفوة تحاول إلصاق تهمة فساد المنظومة بالمدرس المغلوب على أمره في زمن الرذيلة.
   أما خالتي  النقابة فلا أراها اليوم إلا بقرة شاخت ولم تقو على النهوض وصار همها الوحيد هو إصدار بلاغات تخبرنا فيها بالهجمات التي هي طرف فيها. باعتبارها زوجة الأب الثانية التي لا ترى الأستاذ إلا ربيبا وكما يقال " مَعْمّر الربيب يكون حبيب ولو اللبن يرْجع حليب"

   والله لن تفلح دولة تطاول سفهاؤها على معلميهم ودبروا المكائد لتشويه  سمعته والحط من قيمته في المجتمع. لأن تقزيمنا تدمير للمجتمع كله كبيره وصغيره.

    تحية لكل أستاذ وأستاذة معلم ومعلمة .. من القلب معطرة يفوح عطر شداها بالعناق الذي يرفض الذل والهوان يا أخي يا بن الكرام. وأقول (((للآخر))) : أيها الباكي وراء الغيم أعدي القراءة إني أراك أمام صوت الضمير قد لحنت واسأل التاريخ يخبرك يقينا أن لنا عزة، وأنا سنظل أوفياء لخير مثال؛ معلمينا الأوائل أرسطو سقراط أفلاطون. اعلم يا فلان أنت يا علان أن الأفكار عندما تولد تضايق على حرية التفكير على حساب المعنى، تنبثق أخرى لإقحامها في شرنقة اللامعنى، وهو ما يقلق العقل و الشعور – وأسطر على كلمة شعور بالتعريف- علها تبعث الروح في الإحساس من جديد فينبعث من رماده يافعا ينعم بالحياة شأن الفنيق.

اتصالات المغرب تحرم ساكنة قاسيطة من الإنترنيت (3g)لأكثر من خمسة أيام

0 التعليقات


    عبر سكان جماعة قاسيطة التابعة ترابيا لعمالة الدريوش عن تذمرهم بسبب فقدان الاتصال بالإنترنيت(3g) التابع لشركة اتصالات المغرب منذ يوم الأربعاء الماضي وذلك رغم شكاياتهم المتكررة.
     ولم تصلح  الشركة المسؤولة العطب رغم تسجيل الساكنة المتضررة لعدة شكايات واستفسارات، حيث اكتفى مستقبلي االمكالمات بطمأنة المتضررين ووعدهم بإصلاح العطب في أقل من  48 ساعة التي تلي الاتصال. لكن لا شيء من ذلك تحقق، كما أنهم برروا التأخر الحاصل في الاستجابة لمطلب السكان بكون العطب تزامن مع عطلة آخر الأسبوع مما زاد من قلق الزبناء على مصالحهم المرتبطة بالإنترنيت كتسيير المواقع والصفحات عبر المواقع الاجتماعية.
     وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الاتصالات عبر الهاتف النقال في الأيام الأخيرة بالمنطقة تعرف عدة مشاكل في شكل انقطاعات متكررة في الصوت أو تعذر الاتصال أحيان. مع العلم أن هذه المشاكل مازالت مستمرة حتى كتابة هذه الأسطر في انتظار ما ستقوم به الشركة المسؤولة من إجراءات في الأيام القادمة لإصىلاح العطب.

وا حسرتاه على وطني

0 التعليقات
وا حسرتاه على وطني بعدما اختلطت فيه أموال التماسيح برائحة المخدرات ودراهم الاختلاسات وعرق الفقراء ودموع اليتامى والمحرومين.

أهمية الذوق الجمالي في حياة الأفراد والجماعات

0 التعليقات


        ذ.مصطفى نبوي





أهمية الذوق الجمالي في حياة الأفراد والجماعات

         يحتل الذوق الجمالي مكانة سامية ونبيلة في حياة الأفراد والجماعات، لأنه يعمل في ترقيتهم أكثر مما يعمل العقل. فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع،ليس فرقا في العقل وحده . بل أكثر من ذلك فرق في الذوق .ولئن كان العقل أسس المدن، ووضع تصميمها ، فالذوق جملها وزينها. إن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الفرد فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء ، وجرده من الاستمتاع بمناظر الطبيعة الخلابة وجمال الأزهار والأنهار ، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل ، والأدب الرفيع من قصص ومسرحيات وحكايات عجائبية ، والصورة الرائعة ،وجرده من الحب في جميع أشكاله ومناحيه ، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياة الفرد؟ . وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأمة ،فجردها من دور فنونها ، وجردها من حدائقها وبساتينها الغنّاء ، وجردها من مساجدها الجميلة والجليلة وكنائسها الفخمة ، وعمائرها الضخمة ، وجردها من نظافة شوارعها ، وتنظيم متاحفها ، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها ، وفيما يميزها من الأمم المتوحشة والأمم البدائية .
        إن للذوق مراحل كمراحل الطريق،ودرجات كدرجات السلم .فهو يبدأ بإدراك الجمال الحسي :من صورة جميلة ،ووجه جميل ، وزهرة جميلة ، وبستان جميل ، ومنظر طبيعي جميل .ثم إذا أحسنت تربيته ارتقى إلى إدراك جمال المعاني ،فهو يكره القبح في الضعة والذلة ،ويعشق الجمال في الكرامة والعزة ،وينفر من أن يظلم أو يظلم ويحب أن يعدل ويعدل معه ،ثم إذا هو ارتقى في الذوق كره القبح في أمته وأحب الجمال فيها ، فهو ينفر من قبح البؤس والفقر والظلم فيها ، وينشد جمال الرخاء والعدل في معاملتها ، فيصعد به ذوقه إلى مستوى المصلحين . فالإصلاح المؤسس على العقل وحده لا يجدي ، وإنما يجدي الإصلاح المؤسس على العقل والذوق جميعا . ثم لا يزال الذوق يرقى إلى أن يبلغ درجة عبادة الجمال المطلق والفناء فيه ...
         فعلى هذا الأساس ينبغي على كل فرد أن ينظم ذوقه وذلك من خلال استشعاره للجمال في المأكل والملبس والمسكن ، وأن يصادق الزهور ويعشقها،ثم ينشد الجمال في مجال الطبيعة وأن يمد بين قلبه ومناظر البساتين والحدائق ـ والسماء ونجومها ، والشمس ومطلعها ومغيبها ،والبحار وأمواجها ، والجبال وجلالها ـ خيوطا حريرية دقيقة تتموج بموجاتها ، وتهتز بهزاتها ، ثم النظر إلى الأخلاق على أن فضائلها جمال ، ورذائلها قبح ، لا على أن فضائلها منفعة ورذائلها متلفة .وليعلم كل فرد منا أن الأشخاص الذين يتميزون بالذوق الرفيع لو تولوا شؤون السياسة ورياسة الأحزاب لكانوا مثلا في حب الخير للناس جميعا ، ورقة القلب ،وإدراك ما يجب أن يعمل وكيف يعمل ، وما يجب أن يترك .لكن للأسف الشديد ما نلاحظه في مجتمعنا هو عكس ما يحصل ، حيث نرى الشوارع غير منظمة وغير نظيفة ، والأمور الصحية مهملة لا يعتنى بها ، ومعاملة الناس بعضهم البعض جافة سيئة ، تحدث ضوضاء وجلبة ، كالآلة التي لم تزيت ، كما نرى العداوة والخصومة والحقد مستشري بين رجال الأحزاب السياسية خاصة أحزاب الأغلبية والمعارضة ، ورجال الحكومات تعنى بمناصبها أكثر مما تعنى بمصالح رعيتها ، فهذه الأمور منشأها فقدان الذوق الرفيع لا العقل النابه المدرك لما يحيط به.
     من هنا، فنصيحتي لكل فرد هو أن يكوّن ذوقه وينميه. فإن فعل هذا يكون قد ضمن سعادة الحياة والاستمتاع بها، وضمن سمو الأخلاق ونبل العواطف، وضمن نجاحه على قدر كفايته، وما التوفيق إلا بالله.
 

الآلهة الجدد.. !

0 التعليقات

الآلهة الجدد.. !

        لا حرج في القول إننا نعيش اليوم عصرا وثنيا بمواصفات جديدة هو أقرب إلى الوثنية القديمة لكنه يختلف عنها قليلا حيث صارت الملاعب معابدا، واللاعبون آلهة أرضية معروفة بأسمائها. تقدَّس وتمجَّد وتُفْرح وتُغضِب و "التيفووات" و "الإلترات" طقوسا والمكافآت قرابينا و المدربون رهبانا ومرجعاً يُرجع له عند اللزوم !
فالديانات القديمة كانت تقوم في أساسها على صنم أو قوة غيبية تفسَّر بها قِوى الطبيعة، ويعطى لها -في الغالب- طابعا إنسانيا حتى لا تصير غريبة عما هو جار في الواقع، وكانت تُرفع مقاماتها حسب درجة نفوذها. فبقدر سلطتها يكون خضوع العباد وتبعيتهم، وذلك تبعا للتحولات التي تعرفها الطبيعة باعتبارها المتحكم الوحيد في تهدئة الطبيعة عبر الزمان والمكان.
     إن الفكرة المحورية التي كانت تُؤطِّر الإنسان القديم هي الشر في مقابل الخير، وهي فكرة تتجسد في شكل أرواح شريرة غير مجسدة وغير مادية. وهي الفكرة التي تؤطر الإيمان في العصور القديمة بصفة عامة. والشر يناقض الخير على الدوام فكان البدائية بذلك يلجأ إلى الساحر أو الكاهن ليستبدل الشر بالخير أو يزكي الخير بالدعوات والقرابين.
     والأمر نفسه ينطبق على الدين الجديد الذي لا جنسية له "كرة القدم" وإن كان يتميز بالمتعة والإثارة الناتجة عن التنافس بل والتناحر القائم بين اللاعبين والمدربين وحتى الجماهير، والذي تجاوز به البعض هذا التنافس الشريف ليدخله في دوامة السحر والشعوذة بنفس الطريقة التي كان يلجأ بها الإنسان القديم للسحرة لأنه يعتقد بقدرتها على حسم النتيجة للصالحه –الخير-
      أشرنا سابقا إلى عجزُ الإنسان القديم في معرفة الكون وقوى الطبيعة من حوله، و هو ما جعله يعتقد بوجود قوى خفية تتحكم بها و بمصيره و بسعادته و شقائه فصار يصور في مخياله هذه القوى كآلهة تشبهه شكلا وتفوقه قوة. ترضى وتسخط وتجوع، لذا وجب تقديم القرابين لإرضائها.
     إذا كان هذا الإنسان القديم يتماها مع المجسمات التي كان يضع فيها قلبه وروحه ويخلص لها، يصونها ويزينها ويخضع لها. فما نقوم به اليوم في شأن كرة القدم وأربابها لا يختلف كثيرا عما سلف، خصوصا وأن الملاعب لا تختلف في شكلها وأجوائها وطقوسها عن لتلك المعابد.
     لو عقدنا مقارنة بين مباراة لكرة القدم اليوم والديانة المصرية القديمة مثلا لوجدنا أن المصرين القدامى يؤمنون بتعدد الآلهة، وهو ما نراه اليوم مع جمهور المستديرة حيث انقسم بين أتباع رونالدو الريال، وميسي البارسا. وكل فريق يحاول توضيح أصول وسلوكات وتاريخ الفرقة التي يمثلها كل لاعب، ويبذل كل الجهود لإرضائهم وكسب ودهم، وإذا كانت تركز ممارسة الشعائر الدينية قديماً بشكل أساس على الفرعون -ملك مصر- فالشيء نفسه تقوم به "الإلترات" عندما تركز على نجم الفريق كما الحال مع نجم الريال كريستيانو أوالبارسا ميسي على الرغم من كونهما إنسان. إلا أن الفرعون كان يُعتقد أنه ينحدر من الإله وبالتالي يستمد قوته منه؛ لهذا يلعب دور الوسيط بين الشعب والإله. من هنا كان الجمهور باعتباره شعب الفريق وقائده النجم ملزما بدعمهما من خلال الشعارات/الشعائر، والتحفيزات/القرابين ليتمكنوا من حفظ النظام ومواصلة الانتصارات(الخير). ويتأكد الأمر عندما تقوم الدولة وإدارة الفريق وجمعية الأنصار بتخصيص موارد وأموال كثيرة لأداء تلك الشعائر والطقوس – الشهب النارية، التيفووات،والشعارات...- وينبغي للأفراد/الجمهور أن يتفاعلوا مع اللاعبين/الآلهة من أجل تحقيق أهدافهم وطموحاتهم الشخصية (الانتصارات والتفوق..) و يطلبون مساعدتهم من خلال الصلاة والعبادة أو يجبروهم على العمل من خلال السحر(كما هو الحال مع بعض الفرق الإفريقية التي تلجأ للتمائم). وكلها طقوس مماثلة للطقوس الدينية والعادات الرسمية القديمة.
     كل ذلك يبرر –بناء على المنطق السابق- ما يبذله الأنصار من جهود كبيرة لتأمين وضمان بقاء فرقهم متألقة في الصدارة. بل ويدافعون عن سمعتها وأحيانا نجد أكثرهم على استعداد للعراك فداء لسمعة الريال أو البارسا، ناهيك عما يدور بين المناصرين من ملاسنات، حتى صار الشاذ الغريب من الناس من يغادر المقهى قبل بداية المباراة وهو أمر لا نستثني منه حتى المثقفين لأنهم كذلك صاروا مسلوبين خاضعين لسحر الكرة وأربابها المشاهير.
      إذا كانت الديانات القديمة تمثل نظاما متجانسا يتكون من عدد كبير ومتنوع من المعتقدات والممارسات والطقوس المبنية على التفاعل بين عالم الناس وعالم اللاهوت. فالشيء نفسه يقال عن عالم كرة القدم باعتبارها نظاما من الطقوس والممارسات... التي تضمن التفاعل بين عالم الجمهور وعالم اللاعبين. وقد كان لشخصية نجم الفريق حصة الأسد في هذا التفاعل لما يضفيه من سحر يأسر العشاق، ويضمن ريادة الفريق. وبالتالي يؤكد لنفسه التمجيد والتقديس عند العشاق، فيحبونه كما كان البدائي يحب أصنامه ويقدسها ! هكذا ألههم الجمهور كآلهة جدد عادت بنا إلى زمن الوثنية والشرك ! ونصبهم مكانة تجاوزت رجال الدين والملوك.
وتستمر الأزمة في انتظار أن تستفيق عقول العشاق وقلوبها فتحب حبا منطقيا معتدلا.

جميع الحقوق محفوظة لمدونةزفرات ©2012-2013 | ، . |